هناك سؤال داهمني فور الانتهاء من قراءة رواية " فردقان " ، وهو لماذا لم يكتب الدكتور يوسف زيدان كتابًا عن ابن سينا - الشيخ الرئيس - بدلًا من كتابة رواية مفككة تفتقد لأصول البناء الروائي مثل رواية " فردقان " ! ربما لكون العمل الروائي هو الوسيلة الأسرع والأسهل لوصول الأفكار إلى قطاعات كبيرة وعريضة من الشباب
.

فردقان: اعتقال الشيخ الرئيس

رواية فردقان هي رواية سيرة ذاتية عن ابن سينا الذي تم اعتقاله لأسباب " سياسية " في قلعة " فردقان " حيث تمت معاملته بأفضل شكل ممكن يسمح به هذا المكان ، ومن ثم يشرع المؤلف في سرد حياة ابن سينا من خلال " الفلاش باك " مستعرضًًا حياته الشخصية والعلمية التي تشكّلت في ظل واقع سياسي ممزق عاشته الأمة الإسلامية بسبب ضعف الدولة العباسية وتمزقها لدويلات مستقلة إمّا تابعة إسمًا للدولة وإمّا منفصله كلية عنها .
الرواية ليس لها " عقدة " تدور حولها ، بل أنت كقاريء تنتظر ما سينقلك إليه " ابن سينا " من ذكرياته التي ليس فيها ما يجذب على الحقيقة ، بل ربما سيكون في انتظارك سطورًا من السرد الممل ليس فيه ما يجذب إلا جمال اللغة ، فاللغة هي اللاعب الأساس في الرواية من الناحية الأدبية ، أما من الناحية الأيديولوحية فكان اللاعب الأساس هو عرض أفكار ابن سينا الفلسفية في المعاد وفي الاتجاه الإشراقي لديه، وإن طغى الجانب الطبي في كثير من صفحات الرواية على هذا البُعد الفلسفي .
نظرًا للحالة الجافة في الرواية ، لم يجد الدكتور يوسف زيدان طريقًا للخروج منها إلا بتطعيم الرواية بالحالة النسائية من خلال سرد علاقة ابن سينا بسندس و روان وماهيتاب ، وإذا كانت روان هي ملك يمينه فإن سندس وماهيتاب عشيقاته ، وهو لم يتورع عن ممارسة الزنا مع " سندس " و " ماهيتاب " ، ولكن الصورة المقززة حقًا والغريبة عن طبيعة المجتمع الإسلامي في ذلك الزمن هي صورة الجنس الثلاثي بين " سندس " واثنين من عبيدها ! .
أيديولوجيا يوسف زيدان حاضرة في الرواية وبقوة ، سواء في انتصاره لآراء ابن سينا الفلسفية ، أو في موقفه السيء من قادة المجاهدين السنة ، فيبدو أن يوسف زيدان يؤدلج قناعاته الشخصية على لسان أبطال الرواية الذين هم بالمناسبة أعداء للفكر السني، بل منهم من لا يؤمن بحقيقة الرسالات السماوية كماهيتاب كما جاء على لسان ابن سينا ، ومن هنا فإن السلطان "محمود الغزنوي" -رحمه الله- ناله في هذه الرواية من الشتم والتهجم والبذاءة ما ناله على يد يوسف زيدان وأبطاله أعداء الفكر السني وعلى رأسهم ابن سينا .
وصف السلطان " محمود الغزنوي " على لسان ابن سينا بالسفاح الجهول ؛ بسبب هدمه دولة السامانيين وتخريب بخارى ، وكذا يصور فتوحاته في الهند بالوحشية، كما جعل السلطان عاشقًا للغلمان ، والواقع أن هذا افتراء على السلطان كما افترى من قبل على الناصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، فالسلطان محمود الغزنوي وصفه تاج الدين السبكي في طبقاته بأنه "أحد أئمة العدل" ، أما كل طعن في السلطان محمود فهو بسبب الرواية الشيعية التي يتعاطف معها زيدان ، فالسلطان كان شديدًا على الشيعة البويهيين في فارس " الري وهمذان وأصبهان وقزوين " ، ثم رفع راية الجهاد السني ضد ملوك الهند الوثنيين .
بالنهاية الرواية لا يميزها إلا اللغة ، وإذا كانت اللغة هي عامل من عوامل بناء العمل الروائي إلا أنها ليست كل العوامل ، فبرأيي سواء على مستوى الحوار- الذي كان يتم نقل منه فقرات من كتب ابن سينا- أو على مستوى الحبكة فشل هذا العمل في أن يقنعني أن ثمة رواية بين يدي ، أما عن الأدلجة فما يلقيه زيدان من ترهات على صفحته الفيسبوكية أو في حواراته المتلفزة حاول أن يُضمّنه في هذا العمل .
 
بقلم Baher Soliman