تقييم فيلم The Dark Knight

 

عن بطل خارق، قصة هلامية ذات قالب بسيط وسعيد في النهاية، أناس في صراع، بطل خارق قوي، ذروة أحداث، بعض المتعة في الوسط، ومن ثم إنتصار، الكل يصبح سعيد، هذا ما تعودنا أن نتلقاه من قالب قصة الأبطال الخارقين القياسية، على الأقل أغلبها، إذن: تحفة نولان ليست عن بطل خارق، اليوم سأحكي لكم قصة فيلم عظيم، عن فارس شجاع، عن عوالم من الديستوبيا والظلام وفقدان الأمل، عن قيمة الحقيقة والسعي والرموز الخيّرة في العالم، عن قيمة العائلة والأمان والعدالة، اليوم سأحكي لكم عن قصة الحارس الصامت، عن قصة الوطواط الخفي، عن النتيجة الحتمية التي تكوّنت بفعل كل آلام جوثام المجروحة، وعن معنى العمل لأجل العدالة الإجتماعية والأمان، من دون الإلتفات لأي شيء أخر. اليوم قصتنا عن فيلم The Dark Knight، عن قصة بطل يبدو خارقاً، ولكنه نتاج علمي وثقافي ونتاج صراعات قوية، بطل كرّس نفسه لخلاص الظلام من مدينته، فعاش كفاية ليرى نفسه يصبح شريرها، لتنعم بالأمان.

 

فيلم متسارع للغاية، مضغوط الأحداث والأفعال، مما جعله يقلل من القيمة الوقتية لطرح بعض الأفعال المصيرية الخاصة بالقصة، ولكنه بحبكته المتكاملة، ليس فقط يعرض نظرةً فلسفيةً وفكرية لقصة مدينة ظلامية، وصراعها مع مجرميها، ولكنه عوضاً يحولها لصراع أخلاقي مهول ما بين الفوضى والنظام/التحضر والهمجية/والفرق بين كونك إنساناً طبيعياً تحاول العيش بسلام، إلى كونك مخلوقاً غرائبياً لا يلوي على شيء، ورغبته هي جنونه، ومتعته العشوائية، بالنسبة له فالأمر كله لعبة، لعبة مجنونة كبيرة هو بارع فيها، وهو ما تلخص في: الجوكر.

 

قيمة باتمان، وقيمة الجوكر، وعرض شاسع لرسالة هذه القيم: النظام هو الحل، لا بد من الشرعية، فالجوكر، وبإستعراض الفيلم لغموضه من البداية: مخلوف فوضوي، عشوائي، بدون رغبة أو هدف أو سعي، لا يبتغي السلطة ككثير من المجرمين، ولا يهمه المال في شيء، ومقابل قيمة الجوكر الفكرية: هناك باتمان، وهو نتيجة صراعات جوثام والامها، خلق من رحم معاناة هذه المدينة، لتخليصها من مجرميها وفسادها بدون الحاجة إلى النظام أو الحكومة، وفي نفس الوقت هناك هارفي دنت، وهو القيمة الشرعية التي ستحل محل باتمان، وتجعل المدينة تستند لنظام صرام، ولقانون يعطيها حياتها السوية، وهو تحديداً ما يستهدفه الجوكر: جعل أعظم الرموز تفائلاً وقوة في المدينة، يُكسر، ويهبط مستواه، من النظام والشرعية، إلى العبث والعشوائية، إلى مشاعر الانتفام والسخط، الجوكر ينتصر، ولكن لا ينتصر، صحيح أنه جعل أسمى رموز جوثام يتحول إلى مجرم مكسور يسعى إلى الانتقام، ولكن حارس جوثام الخفي يتلقى كل اللوم على نفسه: الناس لا يجب أن يعلموا، يجب أن يظل هارفي دنت رمزاً للشرعية المرجوة في جوثام، إيمان الناس ييجب أن يكافئ، أخبرهم يا جوردن أنني القاتل، أخبرهم ما تشاء لجعل هارفي يظل نظيفاً، الجوكر لن يفوز، ستطاردني، سوف تنكس اسمي وتتحدث عني بالسوء، سوف تبحث عني في كل مكان، عن باتمان الشرير القاتل، ولكن هارفي سيقى نظيفاً، شرعياً، رمزاً شامخاً لجوثام.

رمزاً سيحررها فسادها وتزعزعها الأخلاقي.

هو قصة حركة ظلامية أخلاقية مثيرة، هو تجربة إجتماعية كبيرة، تجربة تختبر قيمة الرموز الحياتية والعائلة والإنتقام والنظام والفساد والولاء والسلطة، قصة لم تعرض فقط بطلاً خارقاً يطير برداء أحمر وسروال أصفر، ولكن شخصية واقعية عظيمة، هدفت إلى مساعدة الناس الرنو من العدالة، والتخلص من الفساد، فأمست شريرهم، وحارسهم الخفي، إلى الأبد.